فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولا تعجب لأهل بلدنا لما غمرهم من الجهالة، ولكن اعجب لأبي حنيفة ليس للحَكَمين عنده خبر، بل اعجب مرّتين للشافعيّ فإنه قال: الذي يشبه ظاهر الآية أنه فيما عمّ الزوجين معًا حتى يشتبه فيه حالاهما.
قال: وذلك أني وجدت الله عزّ وجلّ أذِن في نشوز الزوج بأن يصطَلِحا وأذن في خوفهما ألاّ يقيما حدود الله بالخُلْع وذلك يشبه أن يكون برضا المرأة.
وحظر أن يأخذ الزوج مما أعطى شيئًا إذا أراد استبدال زوج مكان زوج؛ فلما أمر فيمن خِفنا الشقاق بينهما بالحكمين دلّ على أن حكمهما غير حكم الأزواج، فإذا كان كذلك بعث حكما من أهله وحكما من أهلها، ولا يبعث الحكمين إلا مأمونين برضا الزوجين وتوكيلهما بأن يجمعا أو يُفرّقا إذا رأيا ذلك.
وذلك يدل على أن الحكمين وكيلان للزوجين.
قال ابن العربيّ: هذا منتهى كلام الشافعيّ، وأصحابُه يفرحون به وليس فيه ما يلتفت إليه ولا يشبه نصابه في العلم، وقد تولى الردّ عليه القاضي أبو إسحاق ولم ينصفه في الأكثر.
أما قوله: الذي يشبه ظاهر الآية أنه فيما عمّ الزوجين فليس بصحيح بل هو نصّه، وهي من أبين آيات القرآن وأوضحها جَلاء؛ فإن الله تعالى قال: {الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النساء}.
ومن خاف من امرأته نشوزًا وعَظَها، فإن أنابت وإلا هجرها في المَضْجَع، فإن ارعوت وإلا ضربها، فإن استمرت في غلوائها مشى الحكمان إليهما.
وهذا إن لم يكن نصًّا فليس في القرآن بيانٌ.
ودَعْه لا يكون نصًّا، يكون ظاهرًا؛ فأما أن يقول الشافعي: يشبه الظاهر فلا ندري ما الذي أشبه الظاهر؟.
ثم قال: وأذِن في خوفهما ألاّ يقيما حدود الله بالخُلْع وذلك يشبه أن يكون برضا المرأة، بل يجب أن يكون كذلك وهو نصه.
ثم قال: فلما أمر بالحكمين علمنا أن حكمهما غير حكم الأزواج، ويجب أن يكون غيره بأن ينفذ عليهما من غير اختيارهما فتتحقق الغَيْرِية.
فأما إذا أنفذا عليهما ما وكّلاهما به فلم يحكما بخلاف أمرهما فلم تتحقق الغَيْرِيَة.
برضى الزوجين وتوكيلهما فخطأٌ صُراح؛ فإن الله سبحانه خاطب غير الزوجين إذا خاف الشقاق بين الزوجين بإرسال الحكمين، وإذا كان المخاطب غيرهما كيف يكون ذلك بتوكيلهما، ولا يصح لهما حكم إلا بما اجتمعا عليه.
هذا وجه الإنصاف والتحقيق في الردّ عليه.
وفي هذه الآية دليل على إثبات التحكيم، وليس كما تقول الخوارج إنه ليس التحكيم لأحد سوى الله تعالى.
وهذه كلمة حق ولكن يريدون بها الباطل. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

بعث الحكمين على سبيل الوجوب، وكونهما من الأقارب على سبيل الندب وهما وكيلان لهما فاشترط رضاهما لا حكمان من جهة الحاكم؛ لأنّ الحال يؤدّي إلى الفراق، والبضع حق الزوج، والمال حق الزوجة، وهما رشيدان فلا يولي عليهما في حقهما، فيوكل هو حكمه بطلاق أو خلع، وتوكل هي حكمها ببذل عوض وقبول طلاق، ويشترط فيهما إسلام وحرية وعدالة واهتداء إلى المقصود من بعثهما، له وإنما اشترط فيهما ذلك مع أنهما وكيلان لتعلق وكالتهما بنظر الحاكم كما في أمينه، ويسنّ كونهما ذكرين ولا يكفي حكم واحد. اهـ.

.قال الفخر:

في قوله: {إِن يُرِيدَا} وجوه:
الأول: إن يرد الحكمان خيرا وإصلاحا يوفق الله بين الحكمين حتى يتفقا على ما هو خير.
الثاني: إن يرد الحكمان إصلاحا يوفق الله بين الزوجين.
الثالث: إن يرد الزوجان إصلاحا يوفق الله بين الزوجين.
الرابع: إن يرد الزوجان إصلاحا يوفق الله بين الحكمين حتى يعملا بالصلاح، ولا شك أن اللفظ محتمل لكل هذه الوجوه. اهـ.
قال الفخر:
أصل التوفيق الموافقة، وهي المساواة في أمر من الأمور، فالتوفيق اللطف الذي يتفق عنده فعل الطاعة، والآية دالة على أنه لا يتم شيء من الأغراض والمقاصد إلا بتوفيق الله تعالى، والمعنى أنه إن كانت نية الحكمين إصلاح ذات البين يوفق الله بين الزوجين. اهـ.
قال الفخر:
المراد منه الوعيد للزوجين وللحكمين في سلوك ما يخالف طريق الحق. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ الله كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} بالظواهر والبواطن فيعلم إرادة العباد ومصالحهم وسائر أحوالهم، وقد استدل الحبر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بهذه الآية على الخوارج في إنكارهم التحكيم في قصة عليّ كرم الله تعالى وجهه، وهو أحد أمور ثلاثة علقت في أذهانهم فأبطلها كلها رضي الله تعالى عنه فرجع إلى موالاة الأمير كرم الله تعالى وجهه منهم عشرون ألفًا، وفيها كما قال ابن الفرس رد على من أنكر من المالكية بعث الحكمين في الزوجين، وقال: تخرج المرأة إلى دار أمين أو يسكن معها أمين. اهـ.

.من فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:

.[سورة النساء: آية 25]:

{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ}.
الطول: الفضل، يقال: لفلان على فلان طول أي زيادة وفضل. وقد طاله طولا فهو طائل. قال:
لَقدْ زَادَنِى حُبًّا لِنَفْسِى أنَّنِى ** بَغِيضٌ إلَى كُلِّ امْرِىءٍ غيْرِ طَائِلِ

ومنه قولهم: ما حلا منه بطائل، أي بشيء يعتد به مما له فضل وخطر. ومنه الطول في الجسم لأنه زيادة فيه، كما أن القصر قصور فيه ونقصان. والمعنى: ومن لم يستطع زيادة في المال وسعة يبلغ بها نكاح الحرّة فلينكح أمة. قال ابن عباس: من ملك ثلاثمائة درهم فقد وجب عليه الحج وحرم عليه نكاح الإماء».
وهو الظاهر، وعليه مذهب الشافعي رحمه اللَّه. وأمّا أبو حنيفة رحمه اللَّه فيقول:
الغنىّ والفقير سواء في جواز نكاح الأمة، ويفسر الاية بأن من لم يملك فراش الحرّة، على أن النكاح هو الوطء، فله أن ينكح أمة. وفي رواية عن ابن عباس أنه قال: ومما وسع اللَّه على هذه الأمّة نكاح الأمة واليهودية والنصرانية وإن كان موسرًا. وكذلك قوله مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ الظاهر أن لا يجوز نكاح الأمة الكتابية، وهو مذهب أهل الحجاز. وعند أهل العراق يجوز نكاحها، ونكاح الأمة المؤمنة أفضل، فحملوه على الفضل لا على الوجوب، واستشهدوا على أن الإيمان ليس بشرط بوصف الحرائر به، مع علمنا أنه ليس بشرط فيهن على الاتفاق، ولكنه أفضل. فإن قلت: لم كان نكاح الأمة منحطا عن نكاح الحرة؟ قلت: لما فيه من اتباع الولد الأم في الرق، ولثبوت حق المولى فيها وفي استخدامها، ولأنها ممتهنة مبتذلة خراجة ولاجة وذلك كله نقصان راجع إلى الناكح ومهانة، والعزة من صفات المؤمنين. وقوله مِنْ فَتَياتِكُمُ أي من فتيات المسلمين، لا من فتيات غيركم وهم المخالفون في الدين. فإن قلت: فما معنى قوله وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ؟ قلت: معناه أن اللَّه أعلم بتفاضل ما بينكم وبين أرقائكم في الإيمان ورجحانه ونقصانه فيهم وفيكم، وربما كان إيمان الأمة أرجح من إيمان الحرة، والمرأة أفضل في الإيمان من الرجل وحق المؤمنين أن لا يعتبروا إلا فضل الإيمان لا فضل الأحساب والأنساب، وهذا تأنيس بنكاح الإماء وترك الاستنكاف منه بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ أي أنتم وأرقاؤكم متواصلون متناسبون لاشتراككم في الإيمان، لا يفضل حر عبدًا إلا برجحان فيه بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ اشتراط لإذن الموالي في نكاحهن. ويحتج به لقول أبى حنيفة أن لهن أن يباشرن العقد بأنفسهن، لأنه اعتبر إذن الموالي لا عقدهم وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وأدّوا إليهن مهورهن بغير مطل وضرار وإحواج إلى الاقتضاء واللز.
فإن قلت: الموالي هم ملاك مهورهن لا هن، والواجب أداؤها إليهم لا إليهن، فلم قيل: وآتوهن؟ قلت: لأنهن وما في أيديهن مال الموالي، فكان أداؤها إليهن أداء إلى الموالي. أو على أن أصله: فآتوا مواليهن، فحذف المضاف الْمُحْصَناتِ عفائف.
والأخدان: الأخلاء في السرّ، كأنه قيل: غير مجاهرات بالسفاح ولا مسرات له فَإِذا أُحْصِنَّ بالتزويج. وقرئ: أحصن نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ أي الحرائر مِنَ الْعَذابِ من الحدّ كقوله: {وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما} و{يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ} ولا رجم عليهن، لأن الرجم لا يتنصف ذلِكَ إشارة إلى نكاح الإماء لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ لمن خاف الإثم الذي يؤدى إليه غلبة الشهوة. وأصل العنت: انكسار العظم بعد الجبر، فاستعير لكل مشقة وضرر، ولا ضرر أعظم من مواقعة المآثم. وقيل: أريد به الحدّ، لأنه إذا هويها خشي أن يواقعها فيحدّ فيتزوجها.
{وَأَنْ تَصْبِرُوا} في محل الرفع على الابتداء، أي وصبركم عن نكاح الإماء متعففين خَيْرٌ لَكُمْ وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «الحرائر صلاح البيت، والإماء هلاك البيت».

.[سورة النساء: الآيات 26- 28]:

{يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفًا (28)}
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ أصله يريد اللَّه أن يبين لكم فزيدت اللام مؤكدة لإرادة التبيين كما زيدت في: لا أبالك، لتأكيد إضافة الأب. والمعنى: يريد اللَّه أن يبين لكم ما هو خفى عنكم من مصالحكم وأفاضل أعمالكم، وأن يهديكم مناهج من كان قبلكم من الأنبياء والصالحين والطرق التي سلكوها في دينهم لتقتدوا بهم وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ويرشدكم إلى طاعات إن قمتم بها كانت كفارات لسيئاتكم فيتوب عليكم ويكفر لكم وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ أن تفعلوا ما تستوجبون به أن يتوب عليكم وَيُرِيدُ الفجرة الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا وهو الميل عن القصد والحق، ولا ميل أعظم منه بمساعدتهم وموافقتهم على اتباع الشهوات. وقيل: هم اليهود. وقيل: المجوس: كانوا يحلون نكاح الأخوات من الأب وبنات الأخ وبنات الأخت، فلما حرمهنّ اللَّه قالوا: فإنكم تحلون بنت الخالة والعمة، والخالة والعمة عليكم حرام، فانكحوا بنات الأخ والأخت، فنزلت. يقول تعالى: يريدون أن تكونوا زناة مثلهم {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} إحلال نكاح الأمة وغيره من الرخصّ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفًا لا يصبر عن الشهوات وعلى مشاق الطاعات. وعن سعيد بن المسيب: ما أيس الشيطان من بنى آدم قط إلا أتاهم من قبل النساء، فقد أتى علىّ ثمانون سنة وذهبت إحدى عينىّ وأنا أعشو بالأخرى. وإن أخوف ما أخاف علىّ فتنة النساء. وقرئ: أن يميلوا بالياء. والضمير للذين يتبعون الشهوات. وقرأ ابن عباس {وَخُلِقَ الْإِنْسانُ} على البناء للفاعل ونصب الإنسان وعنه رضى اللَّه عنه: ثمان آيات في سورة النساء هي خير لهذه الأمّة مما طلعت عليه الشمس وغربت: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ}، {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}، {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ}، {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}، {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ} و{مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ}، {ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ}.